Saturday, December 29, 2007

إنحناءة لراقصة عراقية

إنحناءة لراقصة عراقية ؟!.

 

شيرزاد شيخاني

 

من يملك ذرة من الحس الإنساني أو قطرة من الإنتماء الوطني للعراق لابد أن يسكب أدمعا مازجة بالدم وهو يقرأ المقابلة التي أجرتها ( إيلاف ) مع الفنانة العراقية المبدعة هناء عبدالله التي طالما أتحفتنا خلال مسيرتها الفنية بأعلى درجات الإبداع الفني وهي تستعيد التراث العراقي برقصاتها الجميلة التي كانت تؤديها بمرافقة أجمل الإغاني العراقية الشعبية والفولكلورية في ذلك الزمن الجميل من تاريخ العراق الثقافي والفني،وكانت هناء تلامس برقصاتها على المسرح شغاف قلوبنا وهي تتمايل على أنغام  ( الهجع ) أو  ( خدري الجاي ) أو ( يم العباية ) وغيرها من غرر الأغاني التراثية العراقية.

وما عبرت عنه هذه الفنانة المبدعة أثناء ذلك اللقاء ، يفطر القلب ويهز ضمير أي إنسان عراقي سواء شرب من مياه دجلة ،أو تنسم هواء كردستان، أو من لفحته حرارة الرياح   داخل خيمته في صحارى العراق القاحلة في الجنوب.

 فقد مثلت هذه الإنسانة وفرقتها القومية العراق في المحافل الدولية، ورفعت إسمه عاليا من خلال حصد عشرات الجوائز التقديرية لفرقتها التي كانت في زمن الدكتاتورية  والشعب يقبع داخل السجن الكبير ،هي المتنفس الوحيد لإطلالة العراق على العالم، وكانت الأعمال التي تقدمها الفرقة هي الفرحة الوحيدة الباعثة للنفس من على شاشة التلفزيون العراقي اليتيم   التي كانت مزدحمة بصور ولقاءات الدكتاتور الأوحد.

 

محنة هناء عبدالله هي جزء من محنة جميع المبدعين العراقيين الذين هاجروا مثل الحمامات البيضاء أعشاشهم، تشردوا في أنحاء العالم ، فأغنوا ثقافات الشعوب  بعد أن حرمتهم الدكتاتورية من خدمة شعبهم وبلدهم، توزعوا على منافي الأرض ومهاجرها يخدمون غيرهم، ولم تسنح لهم فرصة العودة الى البلد بعد سقوط صنم الدكتاتور، لأن من جاؤا بعده كأنت أيامهم أكثر قتامة، وفرص المبدعين أقل من ذرة غبار تثيره أقدام الميليشات المتناحرة في العراق.

في ظل ( الديمقراطية؟؟!!!!) الجديدة الموثقة في دستور العراق، تعاني مبدعة عراقية التي حرمت نفسها من كل متع الحياة الإنسانية لكي تخدم بلدها بفنها الراقي من مأساة حقيقية يندى لها جبين كل من سجل في هويته أنه عراقي..

 إسمعوها وهي تسكب كلماتها الحزينة على الورق في دولة ميزانيتها لعام واحد 48 مليار دولار أمريكي " تصور أن راتبي بعد كل هذا العمر والعمل (200) ألف دينار وذلك بسبب التمويل الذاتي، أنا وزميلي فؤاد ذنون راتبنا هذا وطبعا أضيف اليه مكافأة السيد المدير العام لدائرة السينما والمسرح الذي انتبه الى ذلك، وأدفع منه (150) الف للايجار" ؟؟؟؟!!!!..

وإسمعوها ثانية وهي تكمل " مع ذلك أقول الحمد لله والشكر هذا الذي حصلنا عليه ومع ذلك نشتغل ونقدم" ؟؟؟؟!!!!!!.

 وإعلم أيها القاريء ،أن مخصصات ملا معمم معين في إحدى الحسينيات أو قائدا  للميليشيات تزيد مليون مرة عن راتب هذه الفنانة المبدعة ؟!.فيا لها من قسمة ضيزى ..

ولكن ماذا نقول لمن يعين معمما وزيرا للثقافة، أو يعين قصابا أو نجارا أو صبي مقاهي وزراء ومدراء عامين وضباطا تتلألأ النجوم على أكتافهم في زمن أردأ من زمن الدكتاتورية ؟!.

ماذا نقول لمن يعتبر الهوية الطائفية وثيقة للإقامة وتملك الأرض والهواء والسماء؟!.

ماذا نقول لمن يصرف مئات الملايين من الدولارات على الميليشيات المسلحة السائبة ليكرسها في خدمة أهدافه الطائفية البغيضة، ويعين قادتها وزراء أو مسؤولين في الدولة؟!.

 

لم أسال أحدا إن كانت هناء عبدالله شيعية أم سنية أو صابئية أو يزيدية، ولكني كنت أتمايل طربا بتمايلها مع أنغام الموسيقى العراقية الإصيلة، كما كنت أتسلطن مع صوت ناظم الغزالي أو حضيري أبو عزيز أو وحيدة خليل أو زهور حسين أو عبدالصاحب شراد أو حسين نعمة أو رضا الخياط أو رياض أحمد وهم يصدحون بأجمل الأغاني العراقية .

لم أسأل أحدا ما إذا كان يوسف العاني أو خليل شوقي أو محمد القيسي أو وجيه عبدالغني أو قاسم الملاك أو ناهدة الرماح أو سناء عبدالرحمن كانوا من الشيعة أو السنة، ولكني كنت مأخوذا بأدائهم على المسرح من دون أن يخطر ببالي هويتهم الطائفية.

لم أسأل يوما إن كان الجواهري أو الزهاوي أو الرصافي أو عزيز السيد جاسم كانوا من الشيعة أو السنة، ولكني كنت أتمتع بقراءة كتبهم وأشعارهم التي كونت جزءا من ثقافتي العربية.

لم أكن لأهتم بطائفة حسن العلوي وأنا أقرأ له كتبا يوثق لتاريخ العراق المعاصر لا تختلف في قيمتها مما كتبه عمالقة الأدب والثفافة العربية، حتى وصل به الأمر أن يؤلف كتابا عن عمر يتحدى به طائفية بعض سلاطين بغداد الحاليين.

هؤلاء كانوا ومازالوا رموز العراق، شامخين أبد الدهر، هزم معاصروهم الدكتاتورية بنتاجاتهم الإبداعية وعطاءاتهم الفكرية والفنية والثقافية..

فكم وزيرا ورئيسا للوزراء جاء وولى، ولكن هذه الأسماء اللامعة كانت وستبقى تتلألأ فوق سماء العراق ، وبينها النجمة اللامعة هناء عبدالله التي تسمو رقصة منها فوق رؤوس المئات من قادة الميليشيات المسلحة في العراق.

كم كان صادقا عبدالرحمن الماجدي في قصيدته المعنونة بـ ( خدمة العلم ) وهو يعبر عن خوالج المئات من الملهوفين على مصير العراق مخاطبا تلك الخرقة البالية التي تثير نزاعات العمائم البيض والسود :

لستَ سوى خرقةٍ،

سراويلُ حبيباتنا أزهى من ألوانها.

حمالاتُ صدورهن أحقُ بالنشيد ِ.

فَرفرفْ بعيدا ً عن هوائنا.

 

نعم هو كذلك، فرقصة تؤديها هناء عبدالله على المسرح الوطني  تسوى عندي عشرة إتفاقات معقودة بين الكتل السياسية والطائفية في العراق.

وأختتم هذا المقال بإنحناءة حد الخشوع أمام قامة هناء عبدالله..

 

sherzadshekhani@yahoo.com

Thursday, December 27, 2007

قصيدة مفقودات - للشاعر أحمد مطر

زار الرئيس المؤتمن

بعض ولايات الوطن

و حين زار حـيّـنـا

قال لنا :

هاتوا شكواكم بصدق في العلن

و لا تخافوا أحدا .. فقد مضى ذاك الزمن .

فقال صاحبي حسن :

يا سيدي

أين الرغيف و اللبن ؟

و أين تأمين السكن ؟

و أين توفير المهن ؟

و أين توفير الدواء للمريض بلا ثمن ؟

يا سيدي

لم نر من ذلك شيئا فى السر أو العلن

قال الرئيس المؤتمن

أحرق ربي جسدي !!!

أكل هذا حاصل في بلدي ؟!!

شكرا على صدقك في تنبيهنا يا ولدي

سوف ترى الخير غدا

و بعد عام زارنا

و مرة ثانية قال لنا :

هاتوا شكواكم بصدق في العلن

و لا تخافوا أحدا .. فقد مضى ذاك الزمن .

لم يشتكي الناس..

فقمت معلنا:

أين الرغيف و اللبن ؟

و أين تأمين السكن ؟

و أين توفير المهن ؟

و أين توفير الدواء للمريض بلا ثمن ؟

معذرة سيدي..

و أين صاحبي حسن؟