سامي مهدي
19/4/2008م
كأنكَ فارقتَنا من قرونْ
كأنّا فقدناكَ في زحمةِ العابرينْ
وضِعنا كما ضاعَ في السوقِ طفلٌ صغيرْ
فهلْ أنتَ ضيّعتَنا،
أم أضعناكَ نحنُ،
فما عدتَ تدري، ولا نحنُ ندري،
إلي أينَ كانَ المسير؟
رأيناكَ في الحلمِ في لُجَّةٍ من غبارْ
خطاً مثقلاتٍ،
وقلباً كسيراً،
وعينينِ في الأفقِ،
عينينِ ضائعتَيْنْ
وكفّينِ للهِ ضارعتَيْنْ
ولمّا انجلتْ لم نجدْكَ ..
تري أينَ أنتَ؟
أهِمتَ معَ الهائمينْ؟
ألم يجتذبْكَ إلينا الحنينْ؟
أما زلتَ تبحثُ في المنتأي عن طريقِ الإيابْ؟
أم اخترتَ هذا التخفّي وراءَ حجابِ الغيابْ
لتختمَ بالصمتِ أسطورةَ العاشقينْ؟
يقولونَ إنَّكَ في رحلةٍ قد تطولْ
وإنَّكَ أبحرتَ غضبانَ في أفقِ المستحيلْ
لتبحثَ عن جزرٍ لم تجدها
وعن عشبةٍ جرفتْها السيولْ،
وما زلتَ طيفاً يُهَوّمُ في ما وراءَ البحارْ
وينفرُ منُ أيِّما شاطيءٍ أو فنارْ،
فهل لكَ من عودةٍ بعد أن طالَ هذا السِّفارْ؟
تعالَ فقد عاد عوليسُ قبلَكَ والسندبادْ
وقد أضجرتْنا بما حدّثتْ عنهما شهرزادْ
وما زلتَ أنتَ حكايةَ عصرينِ لم تكتملْ
وأمانيَّ جيلينِ ما برحا في انتظارْ.
تعالَ فما زال يجري الفراتْ
ودجلةُ تصحبُه في الطريقِ إلي الملتقي،
والحياةْ
تجَدّدُ دورتَها في الأجنَّةِ،
والأمَّهاتْ
يلدنَ ويرضعنَ أطفالَهنَّ،
فمن ماتَ ماتْ،
ولكنَّ بذرتَنا تَتَفتَّقُ في كلِّ حينْ
وتنمو وتُزهِرُ في القادمينْ
كأنَّ الذي كانَ ما كانَ حينَ استباحَ الغزاةْ
نواميسَنا ونواميسَ آبائنا الأوّلينْ،
فلا شيءَ يوقِفُ في الأرضِ مدَّ الحياة
ولا شيءَ يُطْفِئُ في القلبِ نورَ اليقينْ.
خُطاً في طريقِ الإيابْ
خُطاً لا يُضَيّعُها الظلُّ،
أو يزدريها الضبابْ.
خُطاً ما لها أثرٌ في ترابِ الطريقْ
ولا نزقٌ يستبدُّ بها أو عقوقْ
تمرُّ كلمحِ البصرْ
ولكنَّها ذاتُ وقْعٍ كوقْعِ المطرْ
خُطاً .. ها
خُطاً .. نحنُ نسمعُها ..
أو نكادُ ..
فهل عدتَ من رحلةِ التيهِ
واجتزتَ حدَّ الخطرْ؟
شاعر من العراق