أحاول - مذْ كنتُ طفلا ، قراءة أي كتابٍ
تحدّث عن أنبياء العربْ.
وعن حكماءِ العربْ… وعن شعراءِ العربْ…
فلم أر إلا قصائدَ تلحَسُ رجلَ الخليفةِ
من أجل جَفْنةِ رزٍ… وخمسين درهمْ…
فيا للعَجَبْ!!
ولم أر إلا قبائل ليست تُفرّق ما بين لحم النساء…
وبين الرُطَبْ…
فيا للعَجَبْ!!
ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخليّهْ…
لأيِ رئيسٍ من الغيب يأتي…
وأيِ عقيدٍ على جُثّة الشعب يمشي…
وأيِ مُرابٍ يُكدّس في راحتيه الذهبْ…
فيا للعَجَبْ!!
أنا منذ خمسينَ عاما،
أراقبُ حال العربْ.
وهم يرعدونَ ، ولايمُطرونْ…
وهم يدخلون الحروب ، ولايخرجونْ…
وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا
ولا يهضمونْ…
أنا منذ خمسينَ عاما
أحاولُ رسمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ
رسمتُ بلون الشرايينِ حينا
وحينا رسمت بلون الغضبْ.
وحين انتهى الرسمُ ، ساءلتُ نفسي:
إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ…
ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟
ومَن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ…
وليس لديهم بَنونْ…
وليس هنالك حُزْنٌ ،
وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!
أنا…بعْدَ خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيتْ…
رأيتُ شعوبا تظنّ بأنّ رجالَ المباحثِ
أمْرٌ من الله…مثلَ الصُداعِ…ومثل الزُكامْ…
ومثلَ الجُذامِ…ومثل الجَرَبْ…
رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ…
ولكنني…ما رأيتُ العَرَبْ!!…
غازي القصيبي
بإسم متى يعلنون وفاة العرب
نزارُ! أزفُّ اليكُ الخَبَرْ!
لقد أعلنوها.. وفاَة العربْ..
وقد نشروا النعْيَ..فوق السطورِ..
وبين السطورِ..وتحت السطورِ
وعبْرَ الصُوَرْ!!
وقد صدَرَ النعيُ..
بعد اجتماعٍ يضمُّ القبائلَ...
جاءته حمْيَرُ تحدو مُضَرْ
وشارون يرقص بين التهاني
تَتَابُعِ من مَدَرٍ أو وَبَرْ
و"سامُ الصغيرُ"..على ثورِهِ
عظيمُ الحُبورِ..شديدُ الطَرَبُ
نزارُ! أزفُّ اليكُ الخَبَرْ!
هناك مليونَ دولار..
جادَ بها زعماءُ الفصاحةِ..
للنعْي في مُدنِ القاتلينْ
أتبتسمُ الآن؟!
هذي الحضارةُ!
ندفعُ من قوتنا..
لجرائد سادتنا الذابحينْ
ذكاءٌ يحيّرُ كلَّ البَشرْ!
نزارُ! أزفُّ اليكُ الخَبَرْ!
وإيَّاكَ أن تتشرَّب روحُك
بعضَ الكدَرْ
فنحن نموتُ..نموتُ..نموتُ..
ولكننا لا نموتُ...نظلُّ...
غرائبَ من معجزات القَدَرْ
إذاعاتُنا لا تزال تغنّي...
ونحن نهيمُ بصوت الوترُ
وتلفازنا مرتع الراقَصاتِ...
فكَفْلٌ تَثَنّى..ونهدٌ نَفَرْ
وفي كل عاصمةٍ مُؤتمرْ
يباهي بعولمة الذُّلِ..
يفخر بين الشُعوبِ
بداء الجرب
ولَيْلاتُنا...مشرقاتٌ ملاحُ
تزيّنها الفاتناتُ المِلاحُ
إلى الفجرِ...
حين يجيء الخَدَرْ
وفي "دزني لاند" جموعُ الأعاريبِ...
تهزجُ...مأخوذة باللُعَب
ولندن ـ مربط أفراسنا!
مزادُ الجواري...وسوقُ الذَهَبْ
وفي "الشانزليزيه"..سَددنا المرورَ
منعنا العبورَ...
وصِحْنا:"تعيشُ الوجوهُ الصِباحُ!"..
نزارُ! أزفُّ اليكُ الخَبَرْ!
يموتُ الصغارُ...ومَا منْ أحدْ
تُهدُّ الديارُ...ومَا مِنْ أحدْ
يُداس الذمار..ومَا مِنْ أحدْ
"فمعتصمُ" اليْوم باعِ السيوفَ
"لِبيريز"...
عَادَ وأعلَنَ أنَ السلامَ الشُجَاع
انتصرْ
وجيشُ "ابن أيوبَ"...مُرتَهنٌ
في بنوكِ رُعاةِ البَقَرْ
و"بيبرْس" يقضي إجازتهُ...
في زنود نساء التترْ
ووعَّاظُنا يرقُبون الخَلاصَ...
مع القادمِ...المُرتجَى..المُنْتَظَرْ
نزارُ! أزفُّ اليكُ الخَبَرْ!
سئمتُ الحياةَ بعصر الرفات
فهيّىءْ بقُرْبكَ لي حُفرِة!!
فعيش الكرامةِ تحتَ الحُفَر.
No comments:
Post a Comment